ندق ناقوس الخطر
بيزنس تملك الشركات للجامعات الخاصة لبيعها وطرحها فى البورصة قلق ومخاوف
تحدى صارخ للقانون وتحايل مرفوض وازدواجية معايير
التعليم أمن قومى ولا يجب الاتجار فيه
التعليم الجامعى الخاص يجب ألا يخرج عن سيطرة السياسة العامة للدولة بطرح أسهم الجامعات الخاصة فى البورصة
وضع التعليم فى أيدي مجهولة تزرع فى عقول أبنائنا الطلاب ما تشاء يؤدي إلى كارثة
عرض الجامعة الخاصة ببورصة الأوراق المالية أقرب منها لقانون الشركات التجارية
منظومة الجامعات الخاصة فى مصر تضم 28 جامعة تستوعب 7% من طلاب التعليم العالى
عرض أحد المستثمرين، بيع جامعة خاصة تحت التأسيس، مقابل 1.3 مليار جنيه في واقعة غريبة من نوعها، تحدث لأول مرة في مصر، في حين أن قيمة الأرض الفعلية لا تتجاوز 10% من السعر المطلوب.
وخرجت تحذيرات سابقة من «بيزنس بيع الجامعات الخاصة»، بعد الحصول على الموافقات لإنشاء تلك الجامعات لرفع سعر وقيمة الأرض المخصصة لذلك، وحذرنا أيضا من طرح الجامعات والشركات المالكة لها فى البورصة خلال الفترة الماضية.
وللعلم فإن الشركات يقوم قانون تأسيسها على هدف الربح، وأنشئت من أجل التجارة والربح، فى حين أن الجامعات الخاصة غرضها الأساسى ليس تحقيق الربح، وعائدها يضخ بشكل كبير إلى ميزانية الجامعة، ثم يأتى التساؤل الأكبر حول السماح لهذه الشركات وفقا لقانونها بأن تطرح هذه الجامعات الخاصة فى البورصة المحلية، ولا يستبعد أن تطرح فى البورصات العالمية أيضا؟!
المخاوف تنتاب الجميع من مجرد طرح إمكانية البعض بيع أو التفكير فى بيع إحدى هذه الجامعات، والتى لها دور مهم وأساسي فى منظومة التعليم العالى فى مصر، وهل يمكننا أن ننبه إلى ضرورة الرجوع إلى نصوص قانون الجامعات الخاصة الحالية، التى تمنع وتحظر كل هذا ولا تحتاج فى نفس الوقت إلى أى تعديل أو توضيح، باعتبار أن الجامعات الحالية والموجودة على الساحة لا تحقق أرباحاً لاعتبارات كثيرة تتعلق بالإنفاق بشكل عام، والتكلفة المرتفعة والمنح الدراسية لأنواع كثيرة من الطلاب، نص عليها القانون أو لم ينص، وغيرها من متطلبات العملية التعليمية أو قد تكون البعض منها قد حققت بالفعل القليل أو هامش بسيط من الأرباح، ولأنها فى النهاية لا تهدف إلى الربح؛ ومن هنا يكون التخوف من قيام الشركات المحلية أو العالمية التى يمكنها أن تشترى وتتملك هذه الجامعات، ببيعها مرة أخرى أو طرحها فى البورصة المحلية أو العالمية، إذا شعرت أنها تتكبد خسائر، أو تقوم بإغلاقها دون اهتمام منها بمستقبل الطلاب الدارسين فيها، والخوف هنا على المستقبل التعليمى للطلاب، وإلى أين يتوجهون؟!
وحتى نستطيع أن نستوعب هذا التحذير والتنبيه، علينا أن نعرف أن منظومة الجامعات الخاصة فى مصر، تضم نحو 28 جامعة خاصة تستوعب نحو 7% تقريبا من طلاب التعليم العالى، وصدر لها القانون رقم 101 لسنة 1992 وتعديلاته بشأن إنشائها ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 219 لسنة 2002، حيث ألزم المشرع أن تكون أغلبية الأموال المشاركة فى رأسمال الجامعات الخاصة، مملوكة لمصريين ولا يكون غرضها الأساسى تحقيق الربح، وعهد المشرع بموجب هذا القانون ولائحته التنفيذية إلى الوزير المختص بالتعليم العالى بمجموعة من الاختصاصات تشمل وضع السياسة العامة للتعليم الجامعى الخاص، فى إطار التخطيط العام للتعليم العالى والعمل على توجيه هذه السياسات بما يتفق مع حاجة البلاد والتنسيق فيما بينها وفيما بينها وبين الجامعات الحكومية.
ومع الاعتراف بأن الدولة شجعت ومازالت تشجع على إنشاء الجامعات الخاصة، لتكون رافداً من روافد التعليم الجامعى وتزيد بوجودها القدرة الاستيعابية لهذا النوع من التعليم الجامعى، الذى يحتاج إليه المجتمع بشدة، لذلك نذكر فقط أن المادة الأولى من قانون 101 لسنة 1992 وتعديلاته ولائحته التنفيذية وتعديلاتها، نصت على «يجوز إنشاء جامعات خاصة تكون أغلبية الأموال المشاركة فى رأسمالها، مملوكة لمصريين ولا يكون غرضها الأساسى تحقيق الربح».
وسبق وأن أصدر مجلس الدولة، فى هذا الشأن، الفتوى رقم 1245 بتاريخ 18/12/2005 بشأن الشكل القانونى الذى يمكن أن تنشأ الجامعات فى ظله، وخلصت الفتوى بعد استبعاد أشكال الهيئة العامة والشركة التجارية الخاصة، إلى أن شكل المؤسسة الأهلية التى ينظمها قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الأنسب للأشكال القانونية لإنشاء الجامعة.
وأصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، فتوى قضائية أكدت فيها عدم جواز إنشاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية لشركات أو المساهمة فى تأسيسها، طبقاً لأحكام قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم (84) لسنة 2002 للشركات، لتعارض ذلك مع أهداف وأغراض هذه الجمعيات والمؤسسات، والتى تنشأ لأغراض غير تحقيق الربح المادى، وهو ما يتعارض مع الغرض الرئيسى من تأسيس أو المساهمة فى تأسيس الشركات – أيًا كان نوعها أو شكلها – وهو السعى نحو تحقيق الربح دون غيره.
وبالنظر الي الطبيعة القانونية للجامعات الخاصة فإن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 101 لسنة 1992 والصادرة بالقرار الجمهوري 355 لسنة 1996فى 27/11/1996، واللائحة التنفيذية للقانون 12 لسنة 2009 والصادرة بالقرار الجمهوري 302 لسنة 2010 المادة 31، حظرت التصرف في ممتلكات الجامعة لغير صالح الجامعة، والتى نصت علي أنه «لا يجوز سحب الأموال المودعة لحساب الجامعة أو التصرف في ممتلكاتها لغير صالح الجامعة»، ويستبين من النص القانونى المشار إليه إعلاه، حظر التصرف فى أصول وممتلكات الجامعة لغير صالح الجامعة، وأن طرح الأسهم يعتبر أحد أوجه التصرف فى أصول وممتلكات الجامعة، بل إن الجامعة بذلك لا تملك قرارها وتفقد استقلاليتها.
كذلك حدد القانون على وجه الخصوص فى هذا الشأن طبقا للمادة (13) من اللائحة التنفيذية، لقانون الجامعات الخاصة والأهلية الصادر بقانون رقم 12 لسنة 2009، وتعديلاته الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 302 لسنة 2010 والتى تنص على أنه «يتعين إخطار الوزارة قبل إجراء أى تعديل فى البيانات أو المستندات التى صدر قرار إنشاء الجامعة وفقاً لها، ويحال الإخطار إلى المجلس ليوصى بما يراه، ويصدر الوزير قراره بالقبول أو الرفض خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإخطار، وفى حالة موافقة الوزير على التوصية بقبول التعديل يتخذ الإجراءات اللازمة للعرض على رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يراه، ولصاحب الشأن الطعن على قرار الرفض أمام محكمة القضاء الإدارى».
وأخطرت وزارة التعليم العالى الجامعات بشأن قرار مجلس الجامعات الخاصة والأهلية رقم 46 بتاريخ 7/3/2016، والذى قرر ايقاف قبول طلاب جدد فى حالة ثبوت تغيير فى ملكية الجامعة، أو فى حصص المساهمة فيها دون مراجعة الإجراءات القانونية من قبل أمانة المجلس والحصول على الموافقة اللازمة.
وفى النهاية نؤكد أن هناك تخوفات يؤكدها البعض بوجود جامعات خاصة تم بيعها لشركات محلية أو أجنبية، والبعض الآخر يتحدث عن تلك التى فى سبيلها للبيع، والدليل على التعارض الصارخ وغير القابل إلا لهذا المسمى، بين قانون الجامعات الخاصة والقانون التجارى، أن الدولة وضعت ضوابط مشددة على التبرعات التى تقبلها هذه الجامعات، ومصادرها والغرض منها، ولا يجوز للجامعة قبول هذه التبرعات إلا بعد موافقة الجهات المعنية المختصة فى الدولة بذلك، بما يتفق ومصالح البلاد، فكيف يُسمح للقانون التجارى التحكم فى قانون التعليم ويكون للقانون التجارى الكلمة العليا فى إدارة هذه الجامعات، وهو ما سبق أن نادينا به من قبل مرراً وتكراراً بضرورة «عدم تحكم أصحاب رؤوس الأموال فى التعليم ووجوب الفصل بين الملكية والإدارة»، حيث شاهدنا فى الآونة الأخيرة قرارات صدرت لجامعات ليس لمؤسسيها أى صلة أو خبرة بالتعليم، ويتخذون من إنشاء هذه الجامعات واجهة لأعمالهم الأخرى لمجرد القول بأن فلان أو فلان صاحب جامعة خاصة، ولهذا نرى التأنى والدراسة المستفيضة وإجراء الأبحاث اللازمة حول مؤسسى الجامعات الخاصة، ومدى خبراتهم فى التعليم حتى لا تتحول وزارة التعليم إلى وزارة التعليم والتجارة .
والشئ المثير للسخرية وغير القابل إلا لهذا المسمى، أن أكبر دليل على عدم قانونية تملك الشركات لجامعات خاصة وطرح أسهمها فى البورصة الآتى:
1. نص قانون الجامعات الخاصة رقم 101 لسنة 1992، والمعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية المادة الخامسة على أنه «للجامعة الخاصة أن تقبل التبرعات والوصايا والهبات والمنح، التى تحقق أغراضها سواءً من داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها، بما يتفق ومصالح البلاد، وتعفى مبالغ التبرعات والهبات من ضرائب الدخل، فى الحدود المقررة فى القانون رقم 91 لسنة 2005».
وأن هذا يتعارض تعارضا صارخا، بأن تقبل الجامعة الخاصة التبرعات والوصايا والهبات والمنح، وهي معروضة في البورصة، وبغرض زيادة سعر أسهمها، وبذلك يكون العائد على حامل السهم وليس على الدولة، لأنه أدخل الوصايا والهبات والمنح من ضمن أصول الجامعة بما يتعارض مع قانون الجامعات الخاصة.
2. نص قانون الجامعات الخاصة رقم 101 لسنة 1992، والمعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية المادة الأولى، «على ألا يكون غرض الجامعة الأساسى تحقيق الربح»، وهذا يتنافى مع القانون التجارى الذى غرضه الأساسى الربح.
فكيف تطرح أموال الشركات التى تمتلك جامعات خاصة فى البورصة، وهى غرضها الأساسى تحقيق الربح فى حين أن الجامعات الخاصة ليس غرضها الأساسى تحقيق الربح؟!!.
ولذلك يرى الخبراء، أنه يجب ألا نسمح بتحويل أبنائنا إلى أرقام بالبورصة ترتفع وتنخفض وتباع وتشترى وتزيد وتقل، من أجل مكاسب المضاربين على التعليم فى البورصة، خاصة فى ظل عدم ملاءمة بعض الأحكام القانونية الخاصة بالشركات التجارية مع أحكام قانون الجامعات الخاصة والأهلية، والتى تعرض أسهم الشركة في الاسواق المالية، مما يهدد العملية التعليمية وجودتها وتهديد الطلاب والأسر، وقد يعرض الجامعات للإفلاس أو التصفية لاكتسابها صفة التاجر.
إن الهدف من إنشاء الجامعات، يختلف كليا عن أهداف الشركات التجارية، وآية ذلك أن الشركات التجارية تهدف بصفة أساسية إلى الربح، وهذا يتعارض مع فلسفة التعليم كقضية أمن قومي، بعرضها في الأسواق المالية مما يفقد الدولة السيطرة على القائمين على هذه الجامعات ومؤسسيها، ونوعية المساهمين فيها، ما قد يجلب عناصر موجهة تهدد أمن وسلامة المجتمع «التعليم أمن قومى».
وحيث إن هذا الخلط يسلب الجامعات الخاصة خصوصيتها، في أن يكون لها قانون يحكمها وينظم علمها ولا يجوز خلطه بقوانين أخرى تجارية، لن تقوى على سلبيات الاتجار بالتعليم والاتجار بأجيال المستقبل وأسرهم، الذين يتكبدون مبالغ طائلة من أجل تعليم أبنائهم التعليم الجيد، الذى تحميه كافة القوانين بالإضافة إلى أن طبيعة نشاط الجامعة وأهدافها وما تتطلبه من دوام صفة الانتظام للنشاط التعليمي، قد تجعل من جواز مساهمة الشركات التجارية في إنشاء الجامعات الخاصة أو المساهمة فيها مغبة الوقوع في مخاطر التجارة والمقامرة بالعملية التعليمية وهذا ما يتعارض مع كفالة الحق في التعليم ومدى القدسية التي أضفاها عليه الدستور.
إن كفالة الدستور لحق التعليم تنطلق من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطراً، كما أنه أداتها الرئيسية التي تنمى في النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية وتعده لحياة يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه إلى وطنه ويتمكن في كنفها من اقتحام الطريق أمام آفاق المعرفة والوانها المختلفة، كما أن الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذى يخضع لإشرافها، فضلا عن كفالة استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي، وإذا كان التعليم العالي – بجميع كلياته ومعاهده – يشكل الركيزة الرئيسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل في مختلف مجالاته، فإنه يتعين أن يرتبط في أهدافه وأسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع وإنتاجه التزاما بما تطلبه صريح نص المادة (18) من الدستور.
«…. وأنه لا يسوغ إغفال أن التعليم في مناحيه المختلفة سواء كان تعليماً حكومياً أو خاصاً تقوم على تنظيمه قوانين خاصة قائمة بذاتها كل في مجالها» هكذا تنص (الفتوى رقم 503 بتاريخ 24/5/1992 جلسة 17/5/1992 ملف رقم 58/1/62).
كما استظهرت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع، أن المشرع في القانون رقم 49 لسنة 1972، أناط بالجامعات الخاضعة لأحكامه، الاختصاص بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي الذى تقوم به الكليات والمعاهد التابعة لها، تحقيقاً لأغراضها المنصوص عليها بالمادة (1) منه، وقرر اتخاذها شكل الهيئات العامة ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة.
ودعماً للتعليم الجامعي والبحث العلمي، وتلبية لاحتياجات المجتمع من التخصصات العلمية الحديثة، أجاز المشرع في القانون رقم 101 لسنة وتعديلاته 1992، إنشاء جامعات، خاصة تكون أغلبية الأموال المشاركة في رأسمالها مملوكة لمصريين ولا يكون غرضها الأساسي تحقيق الربح ومنحها شخصية اعتبارية خاصة ومستقلة.
إن عرض الجامعة الخاصة ببورصة الأوراق المالية، هى فى حقيقة الأمر أقرب منها، لقانون الشركات التجارية عن قانون الجامعات الخاصة، بل يتعارضوا معنا، حيث إن قيد هذه الشركات التى تملك جامعات فى البورصة هو فى حقيقة الأمر، نوع من أنواع المضاربة على التعليم الذى كفله الدستور حقا لكل مواطن ولا يوجد فى العالم أجمع «تعليم فى البورصة»، وأن هذا سيؤدى إلى أن المستثمر الرئيسي في الجامعة، سيعرض أسهمه لأعلى سعر ويدخل مساهمين جددا أو مضاربين جددا يكون غرضهم العائد على السهم دون النظر إلى العملية التعليمية، وقد يصل في بعض الجامعات عدد المساهمين إلى 4000 مساهم، كما هو الحال بشركات التجارية المساهمة، ويخرج صاحب الحصة الرئيسية تاركاً 4000 مساهم خلفه، يحوزون ما بين 10 و20 و30 و500 سهم، ما يؤدى في النهاية إلى سقوط الجامعة بعد خروج المستثمر الرئيس الذى كان هدفه بدء الجامعة بسعر سهم ضعيف، وتنمية هذا السعر إلى أقصى درجة ثم بيعه والخروج من العملية بالكامل، وهذا بموجب مشروع القانون الجديد يكون قانونى 100%، فضلا عن تسرب عناصر غير مرغوب فيها «أمنيا»، وسط هؤلاء المضاربين والمساهمين ويجب ألا ننسى أو نتناسى أن التعليم فى حقيقته «أمن قومى».