بمزيج من مشاعر السعادة والفخر، أقف بينكم اليوم على ضفاف قناة السويس، أهم ممر ملاحي عالمي، والشاهد الحي على ملاحم البطولة التي طالما سطرها المصريون بدمائهم وأرواحهم، ممثلاً لهيئة قناة السويس، المؤسسة المصرية الشامخة على مدار أكثر من مائة و واحد وخمسين عاماً بإسهاماتها الاستراتيجية في خدمة حركة الملاحة والتجارة الدولية، أقف اليوم شامخاً وسط أبنائي من رجال هيئة قناة السويس و أبطالها الذين يديرون كافة العمليات التشغيلية واللوجستية في قناة السويس بأعلى كفاءة، ووفق أحدث النظم، وبحضور شركائنا من الخطوط الملاحية وممثلي ملاك ومشغلي السفينة “إيفر جيفين”، لأعلن للعالم التوصل إلى اتفاق بشأن أزمة السفينة “إيفر جيفن” التي تابعتم تطوراتها منذ مارس الماضي، إبان جنوحها في قناة السويس وتعطيلها حركة الملاحة على مدار سبعة أيام، و ما نجم عن ذلك من تداعيات امتدت آثارها إلى حركة الملاحة والتجارة العالمية وأسعار النفط والبورصات العالمية، بل وتسببت في مشكلات كبيرة لعدد من أهم الموانئ البحرية العالمية، فضلاً بالطبع عما كان لها من آثار سلبية على قناة السويس .ولقد كانت الهيئة وكل العاملين بها في اختبار صعب أمام العالم أجمع وسباق مع الزمن لفتح شريان الملاحة العالمية.
وعقب نجاح أبناء هيئة قناة السويس البواسل عبر عمل مخلص ودؤوب، و بدعم من القيادة السياسية ومتابعة مستمرة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تعويم السفينة وإعادة فتح القناة أمام حركة الملاحة العالمية، وبذل أقصى الجهد لتعويض ما حدث من تعطل لمئات السفن، بدأت عملية من نوع آخر، هدفها الحفاظ على حقوق قناة السويس جراء ما تحملته من خسائر بسبب توقف الملاحة من جانب، و ما قامت به من أعباء جسام نحو إنقاذ السفينة الجانحة من جانب آخر، و ما اتخذته من إجراءات لإعادة حركة الملاحة إلى وضعها الطبيعي من جانب ثالث .
و إيماناً من هيئة قناة السويس بأهمية التواصل مع شركائنا في الأزمة، و تأكيداً على ما تحمله جميع الأطراف من النوايا الطيبة، قررتُ تشكيل لجنة متخصصة تضم أبرز الخبرات في كل ما يتعلق بالأزمة من النواحي القانونية والفنية، كان هدفها بالأساس تحقيق الآتي:
اولاً: التوصل إلى الإجراء القانوني المناسب والذي يضمن لهيئة قناة السويس تعويض ما تكبدته من خسائر جراء الحادث .
ثانياً: ضمان استمرار التعاون والتواصل مع ممثلي الشركة المشغلة للسفينة والشركة المالكة، بما ينعكس إيجابياً على علاقة الهيئة بشركائها الاستراتيجيين وثقتهم فيها .
ثالثاً: الحفاظ على أواصر العلاقات الطيبة التي تربط مصر بالدول التي تتبعها السفينة سواء من حيث العلم أو الملكية، وهي علاقات استراتيجية، تحرص عليها مصر كما تحرص عليها الدول المعنية.
انطلاقاً من هذه المبادئ، وتأكيداً على أن لغة الحوار هي السبيل الأمثل للتفاوض الجاد القائم على حرص الطرفين على العلاقات الوثيقة بينهما وتغليب المصلحة العامة، فقد استمرت المباحثات ما بين اللجنة الممثلة لهيئة قناة السويس وممثلي ملاك السفينة ونادي المملكة المتحدة للحماية والتعويض، على مدار ثلاثة أشهر، حتى تم التوصل إلى الاتفاق الذي يحقق العدالة ويُعلي مصلحة الطرفين، ويقدم دليلاً واضحاً على تمسك هيئة قناة السويس بما عرف عنها على مدار تاريخها من حرص على كافة شركائها من مختلف أنحاء العالم مع الحفاظ الكامل على حقوقها.
و إنني إذ أعلن التوصل إلى الاتفاق الذي يتيح المجال لإعطاء الأمر باستئناف رحلة السفينة “إيفر جيفين” منهياً أزمة استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير :
- إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان دعمه المتواصل في جميع مراحل الأزمة هو الدافع الحقيقي وراء كافة الإنجازات التي تحققت سواء في تعويم السفينة أو إزالة آثار تعطل الملاحة أو التوصل للاتفاق الحالي لإنهاء الأزمة.
- وإلى رجال هيئة قناة السويس البواسل الذين أثبتوا أنهم قادرون على مواجهة كافة التحديات، وواصلوا العمل ليل نهار من منطلق حرصهم على إعلاء مصلحة وطنهم، ولم يتوانوا عن بذل كل ما يستطيعون من جهد لإنجاز ملحمة جديدة على ضفاف القناة، الأمر الذي شهد له العالم اجمع.
- وإلى اللجنة الممثلة لهيئة قناة السويس التي بذل أعضاؤها جهوداً حثيثة في عملية تفاوض ماراثونية وصولاً إلى الاتفاق الذي يرضي جميع الأطراف .
و من هنا، على ضفاف قناة السويس، أؤكد للعالم أن هيئة قناة السويس المؤسسة الشامخة التي تدير الشريان الملاحي الأهم عالمياً، سوف تبقى دائماً قادرة على تقديم خدماتها بأحدث التقنيات لجميع أنواع السفن بمختلف أجيالها وأنواعها وحمولاتها، وستبقى قناة السويس دوماً هي الضمانة الحقيقة لانتظام حركة التجارة والاقتصاد و التنمية في مختلف أنحاء العالم، وأن هذا الصرح المصري العتيد سوف يظل حريصاً على مواصلة التطور والتحديث بلا توقف، كما أود أن أتقدم في النهاية بالتهنئة إلى شركائنا في هذه الأزمة: الشركة المالكة للسفينة، و نادي المملكة المتحدة للحماية والتعويض، مقدراً ما قاموا به من جهد وما كانوا حريصين عليه من تفهم لطبيعة الأزمة، الأمر الذي هيأ المناخ الملائم للتوصل إلى هذا الاتفاق.
دمتم بخير ودامت مصرنا عزيزة قادرة على الإسهام في كل ما يحقق الخير لجميع شركائها في أنحاء العالم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمحوا لي أن أتقدم بهدية تذكارية لرجال شرفاء وطنيين على ما بذلوه من جهد دؤوب وعمل عظيم من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق وعلى رأسهم الأستاذ/ خالد أبو بكر المحامي الدولي، والدكتور ربان/ منتصر السكري – الخبير الدولي في مجال النقل البحري، والربان/ السيد شعيشع – خبير التحقيقات الدولي.