بحضور المهندس هاني ضاحي نقيب المهندسين، والمهندس شريف هدارة وزير البترول الأسبق، نظمت شعبة الهندسة الكهربائية بالنقابة العامة للمهندسين برئاسة المهندس فاروق الحكيم، وبالتعاون مع لجنة الطاقة والحفاظ على البيئة برئاسة المهندس محمد عبد العظيم ندوة بعنوان “مستقبل الطاقة في مصر” حاضر فيها الدكتور هاني النقراشي الخبير العالمي في الطاقات المتجددة وعضو المجلس الرئاسي لعلماء وخبراء مصر في الخارج.
في بداية الندوة رحب المهندس هاني ضاحي بخبير الطاقة العالمي الدكتور هاني النقراشي ثم ألقى الضوء على أهمية ملف الطاقة والذي توليه الدولة اهتمامًا كبيرًا حتى حدثت فيه طفرة كبيرة خلال الخمس سنوات السابقة.
وقال ضاحي: أنه خلال عام 2014 حدث شح في الطاقة وكان هذا ناتجًا عن عمل المحطات بأقل من كفاءتها نظرًا لقلة الغاز الطبيعي نتيجة عدم استمرار الاستكشافات وعدم استمرار التنمية المطلوبة في بعض الحقول إلى أن ظهر حقل “ظهر” والذي ساهم في تعديل الأمور في ملف الطاقة.
وأشار نقيب المهندسين أن الدولة ومنذ فترة لا تعتمد في مجال الطاقة على البترول فقط ولكن نوعت مصادرها من المياه والرياح والطاقة الشمسية وهذا كان هدفًا استراتيجيًا لمصر لتحقيق التنمية المستدامة، وتابع- ولا ننسى أن وزارة البترول تعاونت وبشكل كبير مع وزارة الكهرباء حتى حدثت هذه الطفرة الملحوظة في هذا الملف، مشيرًا أن مصر كانت قبل عام 2015 تستورد غاز بـ 2.5 مليار دولار في السنة، ولكن الأمور تحسنت كثيرًا بعد ذلك حتى أن مصر أصبحت قادرة على تصدير الطاقة.
من جانبه أكد المهندس فاروق الحكيم في كلمته بالندوة على أن الكهرباء في مصر أصبحت على رأس القطاعات والمجالات التي أحرزت إنجازات كبيرة على مستوى الجمهورية في كافة المنظومة الكهربائية التي تشمل إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء إلى أن تصل إلى المستهلك بكافة أنواعه التجارية والمنزلية والصناعية.
وأشار الحكيم إلى أن مجال الكهرباء استطاع توفير طاقة كهربائية في الفترة الأخيرة حتى أصبح لدينا فائض في الطاقة الكهربائية تصل إلى حوالي 25 ألف ميجاوات من الطاقة المولدة بتكلفة استثمارية تصل إلى حوالي 278 مليار جنيه وهو رقم لم يتحقق على مدار السنوات السابقة، وذلك بعد أن قامت مصر بإنشاء ثلاث محطات كهرباء عملاقة في العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة بني سويف، ومدينة البرلس بعد أن افتتحها الرئيس السيسي في 24 يوليو 2018.
وقال: تأتي على رأس أولويات قطاع الكهرباء واستراتيجياتها ضرورة التحول إلى تنوع مزيج الطاقة لتصل نسبة الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة في عام 2022 إلى نسبة 20% من إجمالي الطاقة المولدة، وتابع- أن من المخطط أن تصل نسبة الطاقة المتجددة في عام 2035 إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية في وقتها.
وتطرق الحكيم في كلمته إلى مجال نقل الكهرباء موضحًا أنه يعد المرحلة الثانية من منظومة الطاقة الكهربائية حيث تم تدعيم خطوط النقل الكهربائي وتركيب مئات المحولات الكهربائية وزيادة أطوال خطوط النقل لأكثر من 10 أضعاف عما كانت عليه خلال الأعوام السابقة، مشيرًا أنه من المخطط تحويل الشبكة الكهربائية القومية الموحدة إلى شبكة زكية لتساير أحدث التكنولوجيات في العالم.
وردًا على تساؤل البعض “من أين هذا الفائض من الطاقة الكهربائية؟” أجاب الحكيم بأن القيادة السياسية وقطاع الكهرباء يسعون إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة وهذا يتحقق من خلال الربط الكهربائي بين مصر والدول المجاورة عربيًا وإفريقيًا وعالميًا، حيث ترتبط مصر مع المغرب العربي من خلال الجماهيرية الليبية ثم إلى تونس والجزائر والمغرب بعد اكتمال الشبكات والربط بين هذه الدول، مضيفًا أن هناك ربط بين مصر والأردن بعدها يتم الربط مع سوريا ولبنان والعراق، أما بالنسبة للربط مع السودان أوضح الحكيم أنه سيبدأ التشغيل التجريبي في منتصف يناير الجاري.
كما أشار أن الدراسات الخاصة بالربط الكهربائي بين مصر والسعودية قد انتهت حيث سيتم من خلاله تبادل الطاقة الكهربائية بقيمة 3000 ميجاوات بعد الانتهاء من تنفيذه، أما عن الربط مع الدول الأوروبية فسيتم الربط بين مصر وقبرص واليونان تمهيدًا للربط مع شبكات الدول الأوروبية الأخرى.
واختتم الحكيم كلمته بالحديث عن شبكات التوزيع والتي تشهد أيضًا أعمال تطوير وتحديث وإحلال مكوناتها من محولات القواطع الكهربائية أو الكابلات التي تعاني من التقادم، متابعًا أنه تم إنشاء العديد من مراكز التحكم في الطاقة الكهربائية في القاهرة والإسكندرية والقناة ومدن الدلتا وشمال الصعيد.
وبدوره كخبير عالمي في الطاقات المتجددة ألقى الدكتور هاني النقراشي في محاضرته الضوء على مميزات الطاقة المتجددة والتي تتمثل في تقليص التبعية للوقود حيث إن مصدرها محلي ومجاني ومدى ضرورة العمل عليها لإحلالها محل محطات الكهرباء التقليدية تدريجيًا.
كما استعرض النقراشي الطرق المختلفة لعمل المحطات الشمسية، وكيفية تمكنها من تخزين الحرارة لمدة15 ساعة بعد غروب الشمس، كما قدم عرضا مرئيًا لمحطات شمسية بعدد من الدول.
وكشف النقراشي أن محطات الطاقة الشمسية لا تعوض محطات الطاقة الكهربائية، ولكنها تستطيع تعويض الوقود، لافتًا إلى أنها تعوض محطات الطاقة الكهربائية إذا كان هناك توافقًا بين الطاقة المنتجة والطلب عليها، لأن الكهرباء لا يتم تخزينها بل يجب استهلاكها مباشرة.
ولفت إلى أن وقت الذروة في الطلب على الكهرباء يكون بعد غروب الشمس بساعة، ويجب استخدام محطات طاقة كهربائية لتعوض ذلك.
وقال: إن مسألة الربط الإقليمي بين مصر وأوروبا وأسيا له العديد من الفوائد، أولها ضمان استمرار تواجد الكهرباء في مصر، بالإضافة إلى الحصول على رسوم مرور للكهرباء، مشيرًا إلى أن منطقة شمال أفريقيا بها زيادة سكانية مستمرة، مؤكدًا أن دول أوروبا تحتاج إلى زيادة في استخدام الكهرباء في الشتاء نتيجة انخفاض درجة الحرارة بشدة، بينما تحتاج دول شمال أفريقيا لزيادة الكهرباء خلال فترة الصيف، وبالتالي يمكن عمل تبادل موسمي للطاقة بين الجانبين، وستكون مصر هي نقطة الربط بينهما، كما أنها ستكون أيضًا نقطة للربط مع قارة آسيا.
وأضاف.. إن مصر غنية بمصادر الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن التنمية الاقتصادية في مصـر تعتمد بشكل كبير على قطاع الطاقة، وأن الحكومة المصرية وضعت استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة تعرف باسم استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام 2035، وذلك تلبيةً للطلب المتنامي على الطاقة، ولضمان استمرار أمن واستقرار إمدادات الطاقة في البلاد، وأن هذه الاسـتراتيجية تنطوي على تعزيـز دور الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، إضافةً إلى برامج إعادة التأهيل والصيانة في قطاع الكهرباء، مؤكدا أنه يمكن للطاقة المتجددة أن توفر لمصر 22% من إمدادات الطاقة بحلول عام 2022.
وأكد النقراشي أن الدولة تقوم بجهود كبيرة لترشيد استخدام الطاقة.. ففي الماضي كان لدينا استخدام سيء للطاقة، تحسن الآن وبشكل كبير، وأن أغلب المصانع كانت لا تهتم بتحسين كفاءة التشغيل لديها، وهذا كله بسبب وجود دعم للكهرباء من قبل الدولة، أما الآن بعد رفع الدعم تم ترشيد الاستهلاك وأصبح لدينا فائض في الكهرباء الآن حتى أننا نستطيع أن نصدر نصف ما ننتجه.
وخلال محاضرته أكد خبير الطاقة أن الرئيس السيسي وضع تخطيطًا للكهرباء، ووقع على عدة مشروعات للربط الكهربائي مع قبرص واليونان ما يعد دليلًا على بعد نظره، مشيرًا إلى أن مصر مفتاح الطاقة لقارتي آسيا وأوروبا وعلى الدول الكبرى الاعتراف بذلك.
وتابع: المستثمر الأجنبي يسعى دائمًا للاستثمار في بيئة صالحة لذلك، والطاقة أساس الاستثمار وإقامة المشروعات الجديدة، والطفرة في مجال الطاقة في مصر ساهمت بشكل كبير في جذب الاستثمارات.
وقال النقراشي أن يتبنى نظرية شخصية للمحطات الخمسية في شبكة فرعية مستقلة مفسرًا ذلك بأن الطاقة التي يحتاجها ممر التنمية تنتج من محطات شمسية حرارية بين وادي النيل ومسار الممر تبريدها هوائي لتوفير الماء، ولذلك تبنى المحطات الشمسية في مجموعات من خمس محطات نمطية كل منها 50 ميجاوات ومدعمة بمحطة غازية واحدة للطوارئ ومرتبطة في شبكة فرعية،والمحطات الشمسية التي توجد قرب السواحل يستبدل مكثفها الهوائي بوحدة تحلية فتنتج احتياج المياه للمدن الساحلية دون إنقاص الناتج الكهربائي.
وعرض النقراشي مميزات المخطط الشمسي المقترح الفنية والمالية ساردًا بعضًا منها على سبيل المثال حيث إنه من الناحية الفنية يتوافق مع سرعة التزايد على طلب الكهرباء في مصر بعكس المخطط التقليدي، وأنه لا حاجة للربط الكهربائي مع الشبكة مما يوفر فاقد نقل الكهرباء لمسافات طويلة والذي يصل إلى 25 % من الكهرباء المنقولة، وأن المحطة تنشأ قرب موقع الطلب فتكون خطوط النقل قصيرة وفواقدها قليلة وتوفر محولات الكهرباء ومعدات استقرار الشبكة، كما توفر تقوية الشبكة الرئيسية لأن الشبكة الحالية لن تضطر لنقل أحمال أخرى، بخلاف أن قطع الغيار متوفرة لأن نسبة التصنيع في مصر متوفرة.
كما سرد النقراشي المميزات المالية للمخطط الشمسي المقترح ومنها أن التكلفة الاستثمارية تنخفض مع إنشاء كل محطة جديدة بعكس التقليدي، وأنه بعد تشغيل المحطة السابعة يعادل الوفر السنوي في الوقود قيمة المحطة الثامنة وبعد السنة الثامنة يفوق الوفر في الوقود الميزانية السنوية المخصصة للكهرباء، متابعًا أنه من السنة التاسعة يمول الوفر في الوقود استثمارات كل المحطات الجديدة مما يعني أنه لا حاجة للاقتراض من البنوك وتحمل الفوائد، وبدءً من السنة العاشرة تصل نسبة التصنيع المحلي 100% مما يعني تصدير الكهرباء ويتكون الوفر التراكمي إلى سنة 2050 أي في ظرف 33 سنة ويفوق الألف مليار دولار.